ملحمة الحمير

[

المشهد الاول:شقه داخل سرداب مظلم

مع أول شعاع للشمس استيقظت فزعا على صوت ركلات على باب الغرفه التى هى داخل سرداب مظلم اقطنه.بانت من أول ركله أنها ليست أدميه.
هرولت إلى الباب مرتعدا,فتحته, وجدتهما واقفين.كلاهما يرتدى نفس النظاره السوداء التى تخفى معظم وجهيهما الضخمين.ويرتديان ذلك الزى الأسود الشتوى. أحدهما يمسك بقدميه الأماميتين وثيقه ملفوفه.قذفها لى . التقطتها و أنا لا أنظر إليها بل أنظر إليهما واقفين وعينى وعقلى لا يصدقان فعيناى لم يعتادا على تلك المناظر.فتحت الوثيقه, وجدتها استدعاء إلى محكمه الحمير التى هى خلف البرج القديم. نظرت إليهما فى استغراب.نظرا لى فى اشمئزاز.نهقا نهقات عاليه وتركانى ورحلا بعيدا.

[المشهد الثانى:
فى قاعه المحكمه

أجلسونى خلف القضبان فى قفص الاتهام. على المنصه يجلس كبير الحمير,يرتدى نظاره بيضاء زجاجها سميك جدا,يسقطها على انفه الكبير لتظهر عيناه الزرقاوين. قبعته تخفى الجزء الاكبر من شعره الاصفر, واضعا قدميه الاماميتين على المنصه امامه ممسكا ببعض الاوراق داخل ملف اسود.
عن يمينه يجلس اثنان اقل منه حجما وكذلك عن يساره.فى الركن البعيد من تلك القاعة يقف ممثل الادعاء وهو ايضا من فصيله الحمير لكن اقل حجما من سابقيه مشيرا بقدمه اليسرى لى خلف القفص قائلا فى هدوء:
"حضرات الحمير, بصفتى ممثلا للادعاء أطالب باحاله أوراق هذا المتهم الى لجنة الحمير الكبرى للفصل فى أمره إما بالطرد خارج مملكه الحمير أو نضعه تحت الاختبار تمهيدا لتحويله الى حمار. و أنا شخصيا كحمار قديم أرى طرده خارج مملكه الحمير لأنه اصبح عائقا نحو تقدمنا نحن الحمير."تصفيق حاد ونهقات عاليه متتاليه من حمير القاعه تتخللها نظرات شفقه على حالى.

بصوت عالى صرخت لماذا؟

نظروا لى جميعا فى اندهاش كأنى ارتكبت جريمه كبرى بسؤالى هذا. لحظه صمت . نظر لى كبير الحمير من خلف نظارته السميكه ونهق بصوت عالى اتبعه نهقات كل حمار فى القاعه.
قال موجها لى الكلام :الا تدرى حالك وما انت عليه؟ انت اخر انسان ,أفكارك تحمل أفكار انسان, دعواك تفوح منها رائحه الإنسان القديم.
قلت له باستغراب: وهل يجب على أن انظر إلى الموضوع من نفس زاويتكم يا معشر الحمير؟ ثم انا لا أملك تلك النظاره البيضاء السميكه فأنا مازلت انسان.

"نهقات عاليه فى القاعه"

وقف مره أخرى ممثل الادعاء قائلا:
["ألم أقل لكم أيها الحمير انه مازال يحمل تلك العقليه المتحجره التى كان يتمتع بها اسلافنا فهو لا يريد أن يتقدم ولو خطوه واحده نحو الحموريه. كونه ليس حمارا لا يعنى أننا يجب أن نأخذ كلامه محمل الجد فهو مازال يهذى .نحن تطورنا وتعبنا كثيرا حتى نصل إلى ما نحن عليه الآن لكنه يرفض هذه الطفرة ويرفض استعمال عقله حتى يصبح مثلنا حمارا راقيا.عقله يأبى أن يقتنع بأننا كنا مثله فى الاصل انسان. فهو لا يعدو كونه إنسانا. أما نحن فحمير وصفاتنا الوراثيه تؤكد ذلك."
رفع رأسه الى أعلى ونهق نهقتين وتبعها بسلسلة من النهقات رجت أنحاء القاعه.

قلت لهم : لا توجد محاكمه بدون دفاع؟
قال كبيرهم : فليتفضل محامى الدفاع.

فى وسط هذا الحشد الكبير من الحمير تقدم هذا المحامى. لا أدرى من أى فصيلة هو, فنصفه نصف انسان ونصفه العلوى نصف حمار.تقدم ووقف أمام المنصة مبتسما إبتسامة تنم عن الذكاء ثم نهق نهقتين خفيفتين وقال:
"جميعنا يعرف قواعد تلك اللعبه, فنحن تدربنا عليها كثيرا و أنا كإنسان حمار أنتظر تلك الطفره الكبرى التى أكتمل فيها من نصف إنسان ونصف حمار إلى حمار كامل بكل ما تحمله الكلمه من معنى, و أنا بدورى أطالب بتحويله تدريجيا من إنسان إلى حمار. "
تقدم نحوى وقال لى بصوت لم يسمعه من فى القاعه إلا أنا "يا حمار هذا أفضل لك من الطرد من مملكه الحمير" وغمز لى بعينه اليسرى.
عندها وقفت فى القفص قائلا:أنا لن أتخلى عن أصلى الذى هو إنسان.
تتعالى النهقات فى القاعه
كبيرهم يطرق بمطرقته الكبيرة على المنصة ويصدر قراره الأخير
"الطرد من مملكة الحمير."[/size]