طريـــــق النــــــور

أولاً: أضواء على الموضوع

يتناولُ هذا الموضوعُ ما يلى:

1-إصَابةَ الطِّفلِ الصَّغِيرِ «لويس برايل» 1812م فِى إحْدَى القُرَى الفَرَنْسِيَّةِ فِى عَيْنَيْهِ، وفُقْدَانَه البَصَرَ، وحُزْنَ القريةِ كلِّها لهذَا الحدثِ الأليمِ، ولكنَّ «برايل» كانَ خَفِيفَ الروحِ، ذكيًّا جدًّا، فبَدَأ يتعلَّمُ القراءةَ والكتابةَ عَنْ طَريقِ الحروفِ البارِزَةِ الشَّائعةِ فِى ذَلِكَ الوقْتِ، ولكنَّ هَذِه الطريقةَ لم تعجبْهُ لضَخَامَةِ الحروفِ المستعمَلةِ فيهَا دُونَ فَائِدَةٍ، فَضْلاً عن أنَّ كِتابةَ قِصَّةٍ قصِيرةٍ بواسطتِها تَسْتَهلِكُ أورَاقًا كثيرةً جدًّا.

2-وَكَانَ «برايل» يقلَقُ كلَّمَا تقدَّمتْ به السِّنُّ؛ لأنَّهُ كانَ يحبُّ القراءَةَ والكِتَابَةَ بسُهولَةٍ فاسْتَعَانَ بفكرَةِ أِحدِ الضبَّاطِ فِى استخدامِ نقطٍ وعَلامَاتٍ بدَلاً مِنَ الحروفِ، علَى أنْ يُحْدِثَ ثقوبًا فى قطعَةٍ من الوَرَقِ المقوَّى. بحيثُ يَعْرِفُ مَنْ يَلْمِسُ كُلَّ ثَقْبٍ أَهُوَ شَرْطَةٌ أَمْ نُقْطَةٌ! ليتمَكَّنَ الضَّابِطُ والجنُودُ مِنْ قِرَاءَةِ الرسَائِلِ فى الظَّلامِ.

3-وظَلَّ «برايل» يدرُسُ ويبحَثُ ويجرِّبُ، وينجَحُ أحيَانًا، ويفشَلُ أحيَانًا دونَ تراجُعٍ حَتَّى توصَّلَ إلَى وَضْعِ رُموزٍ سَهْلَة للحُروفِ الأبجدِيَّةِ وَالعَلاَماتِ الموسِيقيَّةِ والأَعْدَادِ الحسَابيَّةِ، ثمَّ أرسَلَ دراسَتَهُ لهذِهِ الطريقةِ إلَى الأكادِيميَّةِ فى بَاريسَ فرفَضُوهَا، ولكنَّهُ عَلَّمَها لتلاميذِهِ الذينَ كانُوا يعمَلُونَ بهَا فِى أوقاتِ فراغِهِمْ.

4-ولم يَضِعْ جُهْدُ «برايل» فقَدْ مَرِضَ مَرَضًا شَديدًا تزَامَنَ مَعَ إقامةِ حَفْلٍ كَبيرٍ عَزَفَتْ فِيهِ إحْدَى الفَتَياتِ مِنْ تلميذَاتِ «برايل» على البيانُو، وعَلا تَصْفِيقُ الحَاضِرينَ، وتَسَابَقَ المُشَاهِدُونَ لتهنئتها على براعَتِها وموهبتِهَا، ولكنَّهَا كانَتْ وَفِيةً لأستَاذِهَا «برايلِ» فقالتْ لهُم: يَحْسُنُ ألاَّ توجَّهَ تهنئَتُكُمْ إلَىَّ، بلْ تُوَجّهُ إلى أسْتَاذِنَا «برايل» الَّذِى قَضَى شبَابَهُ بحثًا مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ الذِينَ فَقَدْنَا نِعْمَةَ البَصَرِ حَتَّى أرَاحَنَا باخْتِرَاعِهِ.

5-وَنَقَلَتِ الصُّحُفُ - بَعْضُهَا عنْ بَعْضٍ - اخْتِرَاعَ «برايل» حَتَّى ذَاعَ فِى فَرَنْسَا كُلِّهَا، وتَسَابَقَ العُلَماءُ للإفَادَةِ من هَذَا الاخْتِرَاعِ ونَشْرِهِ فِى مَعَاهِدِ فَرَنْسَا، وأسْرَعَ إلَى «برايل» وَفْدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ يُبَشِّرُونَه بهَذَا النَّبَأ السَّعِيدِ، فبَكَى وقَالَ لَهُمْ: (الآنَ أَمُوتُ وأَنَا مُطْمَئِنٌّ إلَى أَنَّ جُهودِى لنْ تَمُوتَ مَعِى).

6-مَاتَ «برايل» وهُوَ فِى الثَّالِثَةِ والأَربَعِينَ مِنْ عُمرِهِ، وصُنِعَ لَهُ تِمثَالٌ فِى القَرْيَةِ الَّتِى فَقَدَ بَصَرَهُ فيهَا، ظَهَرَ فيهِ بعَيْنَيْنِ رَحِيمَتَيْنِ، واسْتَحَقَّ لَقَبَ «وَاهِبُ النُّورِ للمَكْفُوفِينَ».